لدينا أقوال توارثناها، ولانزال نرددها مثل "افتح مدرسة، تغلقء سجناً" و"افتح مطعماً تغلقء عيادة طبية" والمقولة الأخيرة تذكّرني برؤية زميل ذهب لبارئه، عندما سأل ماذا ترون أو يلفت نظركم في هذه المدينة الآسيوية المتسارعة النمو، والتطور؟ وأمام حيرتنا قال انظروا ما بين كل مطعم ومطعم مطعم، ضحكنا، أكمل، ولكن في عاصمة عربية تتكاثر لوحات الأطباء والعيادات الخارجية، ولو أخذوا بهذا السلوك لما تكاثر المرضى وزاد سوق الأطباء"..
وإذا كان ذلك تنافراً في سلوك شعبين، فانظروا في أي مدينة أوروبية وأمريكية كيف نجد الجنسين من الذكور والإناث، وبمختلف الأعمار يقرأون كتباً علمية وثقافية في قطارات الأنفاق والطائرات والحدائق، والحافلات وغيرها، وكيف نجد طوابير أمام المكتبات تنتظر الحصول على نسخة من كتاب جديد، وأن رياض الأطفال والمدارس بمختلف مراحلها والجامعات والمكتبات العامة تتكرر فيها نفس المظاهر في زيادة القراء، المقارنة معنا مفقودة فالعربي لا يقرأ ولا ينشر ونسب الأمية تتزايد، وهناك أميات أخرى في التعاطي مع الحواسيب وفهم جغرافيا الوطن، وتاريخه، وربما لو عملت وزارة التربية والتعليم اختباراً وسألت أين تقع رابغ أو صامطة، أو طريف، فلن تحصل على إجابات صحيحة من الخمسة في المائة، وقس على ذلك ثقافة الغذاء، واحترام المرور، والوقوف في طوابير الهاتف أو الجوازات بدون تأفف أو ضجر..
ما يهمني هو القراءة أولاً، فلم نجد تاجراً يتبرع بطباعة عشرة ملايين من قصص الأطفال للفقراء، ولا نعرف جمعية أو مؤسسة قدمت هدايا نجاح على نفس الطبقة من أجهزة الحواسيب، ولا يوجد في تخطيط المدارس حكومية، أو أهلية مكان للمكتبة، وحتى في بيوت ميسوري الحال والأغنياء لا ترى من يهتم بالكتاب مثلما يلاحق أسواق الأسهم ومظاهر الحياة في اقتناء أجمل بيت وسيارة، والتي قد لا تتلاقى مع نظام غذائي متطور تفرضه ثقافة الأب والأم وأسرتهما، وهي أمية متصاعدة بين كل طبقات المجتمع..
تصوروا أن نجد في كتابات متعلمين، وحتى بعض أساتذة المدارس والجامعات من يخطئ بالإملاء ولا يفرق بين امرئ القيس (وإسحق نيوتن) وطالما لم نوجد سلوك القراءة من السنين الأولى للطفل، وليس برغبة أن يكون مفكراً، أو أديباً، وعالماً، وإنما ليفرق بين الأمية والتربية الثقافية، فإننا سوف ندفع الثمن بالجهل العام بالسلوكيات والفرز بين تقاليد صالحة، وأخرى مجرد موروثة لا تناسب عصرها، وكيف يتم احترام التسلسل الأسري وبناء العائلة، وتعاطي الأدوية، وقيمة الوقت وإدراك أن تنمية الوعي تساوي التنمية الاقتصادية، أو هي ركيزتها، ثم، وهو الأهم، زرع مبدأ الاعتماد على الذات والقيم العامة، ونبذ ثقافة الاستهلاك إلى الادخار والإنتاج، وهذه المزايا جميعاً تنحصر فقط في الوعي والثقافة..